شارع الثقافة

من فلسفة الحب .. خواطر بقلم الشاعر محمد الليثي

بدأت حواري مع صديقي شمس الدين قائلاً له: وَفِي الْقَلْبِ غُصَّةُ تِلْكَ الْغُصَّةِ الَّتِي تَنْهَشُ فِي رُوحِ الْمِسْكِينِ وَتَنْحَلُّ جَسَدُهُ غُصَّةَ الْحُزْنِ وَأَلْوَانُهُ.

فحدثني شمس الدين قائلاً: ما من غصة إلا ولها شوكة وتزول الغصة بزوال شوكتها فانظر أي شوكة أصابتك وأعلم أنك لن تُصاب إلا في حين غفلة وأعلم أن زوال الغفلة بوجود يقظة تهجمُ على قلبك وترد من قهارٍ ولا تُصيب شيء إلا ودمغته.

وبعدها نظرت في عين شمس الدين وقلت: عِنْدَ مَجَاذيب الشَّارِعِ غُصَّةٌ مِثْلُهَا وَلَكِنَّهَا غَصَّةُ الْفَرَحِ وَمَا هِيَ عِنْدَنَا إِلَّا لَا اسْمٌ وَلَا مُسَمًّى وَهِيَ الَّتِي رُبَّمَا تَرُوحُ بِالْفَتَى بَعِيدًاً حَيْثُ لَا لَيْلَ وَلَا نَهَارَ حَيْثُ يلْقَى حَتْفُهُ وَيَنْظُرُ مَصْرَعَهُ وَهُوَ الْفَارِسُ الَّذِي رَمَى سَيْفَهُ وَسُرَقَ رُمْحَهُ.

عقّٓب شمس الدين: ما ذكرتهُ عن المجاذيب ليس بغُصة وانما هو نشوة وذهول عن الوجود بتحقق شهود المحبوب.

ابتسمت أنا قائلاً: بالفعل وكيف لا وهم العارفون بالله.. يا شمس الدين لَعَمْرِي إِنِّي أَشْعُرُ بِهَا تَغُوصُ فِي حَنَايَا الْقَلْبِ وَتُهِيجُ أَمْوَاجَهُ السَّاكِنَةِ فمَا الْمجذوب إِلَّا قَلْبًا أَوْجَدَهُ الْخَالِقُ بِغَيْرِ الْعَقْلِ وَمَا الْحَزِينُ إِلَّا قَلْبًاً غَلَبَ الْعَقْلُ وَرَمَى سِهَامَ الْحُزْنِ فِي أَدِيمِ كَبِدِهِ.

شمس الدين: حسبك بهذا القلب فإنه المضعة التي لو صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله وما وجودك للغُصة إلا لأنك لم تحرر منها نفسك وركنت إلي الفناء أما علمت قول الشاعر ” ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ “

وما كانت تلك الكلمة بأصدق كلمة إلا لأن كل شيء يلتمس صدقه من كذبه بمقدار لأن الشيء الباطل هو الزائل المتغير وما كان شأنه الثبوت والبقاء فهو الحق وما كان شأنه الفناء فهو الباطل ولمَّا كان كلُ ما سوى الله متغير كان كل ما سوى الله باطل..

يا لفلسفتك يا شمس الدين ألم تؤمن بالحب يا شمس الدين فوالله لولا إيمانك بالحب لما أُلهمت تلك الفلسفة

ابتسم شمس الدين وبدأ شعاع من ثناياه ثم ربت على كتفي وقال : حتى هذا الحب الذي تُسمي مما وسم بالفناء ولعمري لو وعيت كلامي وفهمته لدعوت الله أن يزيل عنك هذا الحب ويطفيء من حرارته ولكنك لن تفعل إذا أنك تكتوي من هذا الحب وتستلذ من الألم وتمشي على الشوك وتجد في ذلك نشوة وما ذاك إلا لانغماسك فيه.

قلت أنا: صدقت يا شمس الدين ولكنها عندي ليست نشوة وما حرارة الحب وآلامه إلا إلهام لي ليس شيئاً أستلذُ به فأنا أؤمن بفناء الدنيا وفناء حكاياها وأؤمن بالحب وجماله ومع إيماني بالفناء لن أدعو الله أن يزيل عني هذا الحب فهي في الأرض كأنها حور عين من السماء ولن أقول إلا كما قال مجنون ليلى:

 يَلومونَ قَيساً بَعدَ ما شَفَّهُ الهَوى             وَباتَ يُراعي النَجمَ حَيرانَ باكِيا

فَيا عَجَباً مِمَّن يَلومُ عَلى الهَوى              فَتىً دَنِفاً أَمسى مِنَ الصَبرِ عارِيا

يَبَيتُ ضَجيعَ الهَمِّ ما يَطعَمُ الكَرى             يُنادي إِلَهي قَد لَقيتُ الدَواهِيا

بِساحِرَةِ العَينَينِ كَالشَمسِ وَجهُها          يُضيءُ سَناها في الدُجى مُتَسامِيا

وغادر شمس الدين وأنا أدعو عليه أن يرى من الحب كما رأيت حتي يُخفف من لومي أو يتوقف أو يُلهم كما أُلهمت …

الكاتب/ محمد الليثي

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً على احمد هلال محمد إلغاء الرد

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »
%d مدونون معجبون بهذه: