مساحة للاختلاف

الدكتورة هيام عزمي النجار تتساءل: اختياري أم قراري؟! من الأول؟!

اختياري أم قراري؟!!! من الأول؟!

وللرد على هذا السؤال علينا أن نعرف أولاً ما هي أنواع القرارات التي يتخدها الإنسان في حياته وتُقرر وتُحدد مصيره وهي:

أولاً: قرار الإدراك

الإداراك هو إعطاء أكثر من معنى عن الأشياء والأشخاص حتى تكون أيها الإنسان ذو فكر مرن وإيجابي متزن، ولا تأخذ الأمور والتصرفات بسوء نية، والإدارك يُعطي المعنى، والمعنى يختص بما في داخل الشخص من برمجة سابقة، وملفات عقلية مخزنة بذاكرته سواء كان هذا المعنى إيجابي يعمل معه أم سلبي يعمل ضده، لذلك وجب علينا توسيع الآفاق والمعارف والإدراك وذلك يكون عن طريق القراءة في شتى المجالات بمختلف أنواعها، وسماع الأشرطة السمعية لتقوية قوة الإنصات والذاكرة السمعية، ومشاهدة الفيديوهات التعليمية لتقوية الذاكرة البصرية، والإدراك هو ما يشبه مرادفات اللغة العربية أي إعطاء الكلمة بأكثر من معنى، ولو أمعنا في معنى الإدراك لوجدنا أنه الملاحظة، أي تُدرك الشيئ وتُلاحظه، ويجب ألا ننسى أبداً أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي ميزه الله عن باقي مخلوقاته بالإدراك أي أن الإنسان الوحيد الذي لديه القدرة على الإدراك والأحلام والتغييروالتخيل والتخطيط والتنفيذ، لذا وجب علينا أن نُدرك الأمور جيداً ولنعلم أن قرار الإدراك من القرارات الهامة جداً التي تؤثر على أذهاننا وتفكيرنا وحواسنا وأحاسيسنا وسلوكياتنا ونتائج حياتنا، أيها الإنسان لو أردت أن تُغير حياتك غير إدراكك للأمورلأن الذي يُميز بين الشخص والآخرهي وجهة نظره تجاه الأشياء، فالإدراك يُمثل 50% من التغيير الذي يسعى الإنسان إلى تحقيقه لذا عليك أن تُدرك كيف تُدرك؟

ثانياً: قرار التفكير

 يأتي بعد قرار الإدراك، قرار التفكير ونستطيع القول بأن التفكير يعتبر من أكثر الأعمال صعوبة لذلك فإن القليلون هم الذين يقومون به، وأيضاً يُمكن وصف التفكير على أنه حوارالروح مع نفسها، يا أيها الإنسان لا تكُن سجين لأفكارك، فأنت بالفكرة تستطيع أن تجعل عالمك من الورود إذا كان فكرك إيجابي ، وتستطيع أن تجعل عالمك من الأشواك إذا كان فكرك سلبي، فقبل أن تضع الفكرة في ذهنك قيمها جيداً هل تُفيدك أم تضرك؟ وهنا نتطرق إلى كيف تنتج عملية التفكير نفسها؟ فالمفكر عندما يُفكر ويضع الفكرة في ذهنه تنتج عملية التفكير، لذلك فإن قرار التفكير منالقرارات الهامة جداً لنا التي تؤثر على تركيزنا وأحاسيسنا وسلوكياتنا وواقع حياتنا، فلا يحدث أي تغيير في أي شيئ إلا إذا حدث تغيير في الفكر نفسه، فإذا فكرنا بشكل إيجابي كان التركيز والإحساس والسلوك والنتائج إيجابية والعكس يحدث تماماً لو فكرنا بشكل سلبي، لأنه في كل الحالات عندما تُفكر في فكرة ما يتأثر الجسم مباشرة لأن العقل والجسد كل منهما يؤثر على الآخر ويكمله، فمثلاً لو فكرنا بأننا نحك مسمارعلى نافذة ما- وقتها سيشعرالجسم بالقشعريرة بالرغم من عدم وجود المسمار والنافذة، إنما وجدت هذه الحالة من مجرد فكرة وضعتها أنت في ذهنك، لذلك يجب عليك أن تُفكر كيف تُفكر؟

ثالثاً: قرارالتركيز

بعد قراري الإدارك والتفكير يأتي قرار التركيز الذي يؤثر بدوره على الأحاسيس والسلوك والنتائج وواقع الحياة، لذا وجب عليك أيها الإنسان أن تنتبه على أي ماذا تُركز؟ لأن الذي تُركز عليه يُسبب حكمك فيه وعندما تأتي عملية التركيز يقوم العقل بأربعة عمليات أساسية وهما (الإلغاء، التعميم، التحريف، التخيل).

مثال للتوضيح: لو أن لديك صديق تُحبه جداً ومعك منذ سنوات طويلة وجاء هذا الصديق في يوم من الأيام وعمل معك سلوك سلبي لم ترضى أنت عنه، فلو ركزت على سلوك هذا الصديق تركيز سلبي سوف يقوم عقلك مباشرةً بإلغاء أي إيجابيات عنه، ومن ثم يُعمم كل السلبيات على صديقك هذا، وتبدأ تُحرف أنت السلوك لهذا الصديق بناءاً على برمجتك السابقة والملفات المخزنة بذاكرتك بما يتناسب مع إعتقادك الشخصي أن الأمور القادمة بينك وبين صديقك ستكون سلبية وهذا ما يُسمى بتحريف الفكرة، ومن ثم بعد الإلغاء والتعميم والتحريف تأتي عملية التخيل أي تتخيل أي موقف يصدر من هذا الصديق معك سوف يكون كله سلبيات وبالتالي في الأربعة عمليات في حالة التركيز السلبي سوف تخسر علاقات وفرص دائماً، فبدلاً من أن تُركز سلبي على إنسان ما – الأولى أن تُركز إيجابي حتى تصل إلى نتائج إيجابية، لأن قانون التركيز يُعد من أخطر قوانين العقل الباطن التي من الممكن أن تعمل معك ولصالحك في حالة التفكير والتركيز الإيجابي، وتعمل ضدك في حالة التفكير والتركيز السلبي، لذا عليك أن تُركز كيف تُركز وعلى أي شيئ وبأي طريقة تُركز؟

رابعاً: قرار الأحاسيس

فالمشاعر والأحاسيس قوة غير محدودة فهي قوة ضاربة تتحرك في كل الإتجاهات في كل مكان وفي كل زمان وبكل مادة وبكل طاقة، فالأحاسيس قد تُحلق بك في سماء الحب لو كانت إيجابية، وقد تضيع بك في سراب الألم لو كانت سلبية، والسؤال هنا هل من الممكن أن تنجح في أي عمل مصحوب بأحاسيس سلبية ؟ والإجابة طبعاً لا ، وذلك لأن الأحاسيس السلبية تجعل سلوكك ونتائجك سلبية، فإنتبه أيها الإنسان عندما تشعر بشيئ لو كان سلبي قم بتحويله فوراً إلى إيجابي ليخدمك، فالأحاسيس هي الوقود الذي يدفع ويُحرك السلوك، والأحاسيس قد تُعطيك الدفء لو كانت إيجابية، وقد تحرقك إذا كانت سلبية، لذلك عليك أن تتحكم في أحاسيسك أولاً بأول، وأن تشعر كيف تشعر؟

خامساً: قرارالسلوك

 بعد الإدراك والتفكير والتركيز والأحاسيس يأتي قرار السلوك، فالسلوك هو ما سيراه الناس من تعبيرات وجهك وتحركات جسمك، ونبرة صوتك وقوته وحدته، والجمل والألفاظ التي قررت أنت أن تتعامل بها معهم، وبناءاً على إتصالك بهم سوف تكون النتيجة، فلو كانت علاقتك وإتصالك بالناس إيجابية كانت النتائج إيجابية، ولو كانت علاقتك وإتصالك بالناس سلبية كانت النتائج سلبية، فأنت أيها الإنسان الذي تُحدد بنفسك رد فعل الآخرين لك في كل الحالات وعلاقتهم بك هل ستكون مستمرة أم مؤقتة؟ أما عن جمال السلوك ذكرالإمام علي بن أبي طالب:ليس الجمال بأثواب تُزيننا – إن الجمال جمال العلم والأدب ليس اليتيم الذي من مات والده – إن اليتيم يتيم العلم والحسبلذلك فإن الإنسان بفضيلته وليس بفصيلته، وبكماله وليس بجماله، وبأدبه وأخلاقه وليس بثيابه، فقد تجد شخص ما في مظهره الخارجي جذاب جدا،ً ولكنه دائماً ما يقذف الناس الذين يتعاملون معه بأفظع الألفاظ والجمل والتجريح، وبالتالي يكون قرارهم عدم التعامل معه مرة ثانية.

** وإننا لنتساءل أيهما يسبق الآخر القرارأم الإختيار؟

فالأذهان تذهب بسرعة إلى أن الإختيار هو الذي يسبق القرار، ولكن أنت الذي تُقرر الحالة التي تُحب أن تكون عليها، ومن ثم تختار بعد ذلك الأسلوب المناسب للتنفيذ، ومن بعد ذلك تأتي الرغبة المشتعلة لديك لتحقيق قرارك وهدفك الذي تسعى إليه ثم آخر مرحلة هي تحمل المسؤلية كاملةً، فأنت مسئول عن إدراكك وتفكيرك وتركيزك وإحساسك وسلوكك وبالتالي فأنت تستحق نتيجة قراراتك، إذن فالقرار يسبق الإختيار، مع الأخذ في الإعتبار أنه لو قلت أنا لم ولن أتخذ قرار في هذا الموضوع – هذا في حد ذاته – قرار بعدم إتخاذ القرار في هذا الموضوع، لذلك عليك أيها الإنسان قبل أن تتخذ أي قرار في حياتك لابد أن تُدرك جيداً لأن الإدراك أساس كل شيء، ومن ثم يترتب عليه التفكير والتركيز والأحاسيس والسلوك والنتائج والمصير..

 

بقلم د. هيام عزمي النجار

خبيرة التنمية البشرية

مدربة قوة الطاقة البشرية

ممارس برمجة لغوية عصبية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

يسعدنا مشاركاتك

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »
%d مدونون معجبون بهذه: