مساحة للاختلاف

الدكتور أحمد عبد الدايم يكتب عن: «مرحلة البحث عن إجابات»

بدأت مرحلة البحث عن إجابات للأسئلة التى كانت تدور في مخيلتي تتطلب مني مزيدًا من الجهد والوقت لأشبع رغبتى.

ولما لم تكن لدينا مكتبة مدرسية توفر لي الإجابة عن أسئلتى، وكان أبي يقدم لي إجابات غير مكتملة طالبًا مني القراءة والتعرف على بعض السياسيين القرويين من بعض معارفه، فكان هؤلاء هم هدفي التالي.

ولما كان يتردد حينها أن زناتى الضبعية على علاقة بالسادات، وأن النائب حسني كبير نبابتة الرياينة وعمدتها له علاقة ببعض السياسيين من زملائه البرلمانيبن، وكذا النائب يوسف رشوان عمدة المحاميد وشيخ نواب البرلمان له علاقة بكل الرؤساء، بدءًا من عبدالناصر مرورًا بالسادات وصولا لمبارك.

وأن فلان من أرمنت الحائط له علاقة بفلان، وأن فلتكان من المريس والرزيقات بحري له ذات العلاقة، وأن بعض أقاربنا من كبار العائلة والعائلات المصاهرة لنا، أمثال عمنا العمدة أحمد النجار وبيت أبو بسطاوى وبيت ميرغني وبيت العقبي يعرفون بعض السياسيبن القاهريين.

لكن أنى لي بالجلوس، وأنا طفل صغير، مع هؤلاء الناس، وأنا بعيد عن القرية وأعيش فى قرية أخرى.

 

الاستكشاف الأول للسياسيين

ومما زاد من همومي أنني حين جلست مع بعضهم كان حديثهم يذهب للسؤال عن صحة والدي ووالدتي مرسلًا السلام إليهما دون الدخول فى الحديث الذى أريده.

وكان صديقى فى المدرسة ابن النائب حسنى جاهلا بالأمور التى اتحدث عنها، فكل حديثه كان ينصب حول الأرض والزرع، وبالتالى اعتقدت أن قريبه شبهه، وبالتالى لن أجد عنده ما يشفى غليلى. وكان السياسيون الاخرين بعيدين عنى.

موجز القول أن ما حدث حينما مر الرئيس السادات عبر نهر النيل مع الرئيس الأمريكى جيمى كارتر خلال فترة مباحثات السلام كان نقطة تحول كبيرة فى وعيى السباسى.

 

الرئيس السادات والرئيس الأمريكي جيمي كارتر
الرئيس السادات والرئيس الأمريكي جيمي كارتر

 

حيث مر على قرية الرياينة وكل قرى أرمنت، واخرجونا من المدرسة لنصطف على شاطئ النيل ليلوح لنا الرئيس السادات وضيفه لنحيبه ونغنى له ونهتف.

واعتقدت ان هناك صلة تجمع السباسيبن القرويبن بالرئيس السادات الذى يحبه أبى.

لكن حين علم والدى بمرور السادات، واننى رأيت أحد أبطاله حسدنى على تلك الفرصة التى أتيحت لى ولم تتح له. خاصة وانه كان يجلس مع احدهم ولم يعرف به، وانه تمنى مثلما تمنى أبى ان يشاهد السادات عند مروره فى النيل. وبالتالى ادركت بان هؤلاء يتحدثون عن علاقات ومعارف لا وجود لها على ارض الواقع.

 

بداية مؤرخ أمام سفينة السادات

المهم فى الامر انه حين اقتربت سفينة السادات منا وهى مبحرة من الأقصر باتجاه أسوان، وبدأ الرئيس السادات وضيفه يلوحان لنا، اعتقدت ان الرجل ينظر لى دون غيرى،  وكأنه يعاتبني على سماعى لمونت كارلو. هنا بدأت صلتى برأس النظام ورؤية رئيس الدولة بشكل مباشر.

واعتقد اننى لم اكن الوحيد الذى اثارته تلك اللحظة الفارقة، فكان بعض زملائي واعين بالحدث مثلى تماما، لكن اغلب الاخرين كانوا منشغلين بالوجبة التى وزعوها علينا وفرحين بعدم العودة للمدرسة مرة اخرى فى هذا اليوم.

لاشك أننى فى هذا اليوم ارتبطت بالسياسة والسياسين وبدأ وعيي السياسى يتشكل شيئا فشيئا.

ويبدو ان لحظة مرور السادات وضيفه وما اثارته من اسئلة داخلى جعلتنى الخص جهدى فى الاجابة على اسئلة بعينها: يعنى ايه رئيس دولة؟ ولماذا يكون هو بالذات ريئسنا؟ ويعني ايه دولة؟  ويعني ايه جلوس رئيس ضيف بجوار رئيسنا على ضفاف النيل؟  وأين هى أمريكا التى جاء منها هذا الضيف الكريم؟  وما علاقتها بمصر؟

وحين لم أجد هؤلاء السياسين المحليين بين المصطفين اعتقدت أنهم لا يعرفون شيئا، وان مدرسينا أكثر قربا من السادات منهم. فمعلمينا هم الذين يعرفون أكثر لأنهم أخذونا على ضفاف النهر وجعلونا نرى السادات وجها لوجه.

 

أسئلة بدون إجابات

لكن حين رجعت إلى المدرسة تانى يوم، وألقيت ببعض أسئلتى على مدرسينا فى المدرسة، ولم أجد لديهم إجابات تكفيني، كان على أن أبحث عن مصادر أخرى للمعلومات. لكن احدهم اخبرنى حينما سالته هل يمكن لهؤلاء السياسيبن الذين يتحدث عنهم ابى ان يفيدونى فى الاجابة، فذكر بان هؤلاء اتباع الاتحاد الاشتراكى السابق ولا يعرفون اى شيء عن اى شيء، فاضاف هما جديدا الى همومى، فما هذا الاتحاد الاشتراكى السابق؟ وما هو هذا اللاحق؟ ولماذا يسخر هذا الاستاذ من اتباع الاتحاد الاشتراكى؟

اعتقد اننى احسد الصغار  الان لانهم لن يمروا بتلك المرحلة من الاسئلة التى مررنا بها،  ولن ترهقهم محاولات ايجاد اجابات حولها، لان شبكة المعلومات الدولية وفرت لهم كل شيء على طبق من فضة. غير اننى لا اقف كثيرا عند هذا الحسد للجيل الجديد لان اطفالنا الان منشغلون بالبحث عن اشياء اخرى غير التى كانت تشغلنا. واعتقد ان مرحلة الاكتشافات التى مررنا بها، هى التى صنعت فينا شغف البحث وكيفية طرح الاسئلة ومحاولات الوصول لاجابات حولها.

اظهر المزيد

الدكتور أحمد عبد الدايم

أ.د. أحمد عبدالدايم محمد حسين.. أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الدراسات الافريقية العليا جامعة القاهرة

مقالات ذات صلة

يسعدنا مشاركاتك

زر الذهاب إلى الأعلى
« Browse the site in your preferred language »
%d مدونون معجبون بهذه: